محمد إقبال.. شاعر الهند والإسلام
من الشخصيات التي لاقت اهتمامًا عظيمًا، وكُتب عنها كتابات كثيرة في العصر الحديث شاعرنا "محمد إقبال" فهو المناضل بالكلمة والرأي والجهد في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي سبيل الدعوة الإسلامية، وهو صاحب أكبر مدرسة شعرية في الهند يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: لا أعرف شخصية ولا مدرسة فكرية في العصر الحديث تناولها الكتاب والمؤلفون والباحثون مثلما تناولوا هذا الشاعر العظيم، وجاء في مقال في مهرجان إقبال المئوي ـ الذي انعقد في مدينة "لاهور" وتحت إشراف حكومة باكستان "إن عدد ما صدر عن إقبال من الكتب والرسائل في لغات العالم قد بلغ ألفين، ما بين كتاب ورسالة، هذا عدا ما نُشر عنه من بحوث ومقالات".
المولد والنشأة
هو إقبال ابن الشيخ نور محمد، كان أبوه يكنى بالشيخ تتهو (أي الشيخ ذي الحلقة بالأنف) ولد في سيالكوت ـ إحدى مدن البنجاب الغربية ولد في الثالث من ذي القعدة 1294 هـ الموافق 9 من تشرين أول نوفمبر 1877م وهو المولود الثاني من الذكور.
وأصل إقبال يعود إلى أسرة برهمية؛ حيث كان أسلافه ينتمون إلى جماعة محترمة من الياندبت في كشمير، واعتنق الإسلام أحد أجداده في عهد السلطان زين العابدين بادشاه (1421 ـ 1473م).
ونجده يصف أصله فيقول: " إن جسدي زهرة في حبة كشمير، وقلبي من حرم الحجاز وأنشودتي من شيراز".
أما عن أبيه فهو الشيخ نور محمد، كان يعمل بالتجارة ويخالط جماعة من الصوفية ورجال العلم والمعرفة، وهو ما جعله عارفًا بدقائق الطريقة وعلوم العقيدة والسنة، وله علم واسع في مسائل الحكمة والفلسفة والأدب، وكان لذلك عظيم الأثر في حياة شاعر الإسلام محمد إقبال. أما أمه فهي امرأة يملأ قلبها الورع والتقوى، قال عنها يوم موتها: " عندما آتي إلى تراب مرقدك سوف أصيح: من ذا الذي يذكرني في الدعاء في منتصف الليل". وتُوفي أبوه في السابع عشر من أغسطس 1930 بعد أن شارف المائة، وتُوفيت أمه قبل أبيه بست عشرة سنة في 1914م.
رحلته في طلب العلم
بدأ محمد إقبال تعليمه في سن مبكرة على يد أبيه، ثم التحق بأحد مكاتب التعليم في سيالكوت، وفي السنة الرابعة من تعليمه رأى أبوه أن يتفرغ للعلم الديني، ولكن أحد أصدقاء والده ـ وهو الأستاذ مير حسن ـ لم يوافق، وقال: "هذا الصبي ليس لتعليم المساجد وسيبقي في المدرسة" وانتقل إقبال إلى الثانوية؛ حيث كان أستاذه مير حسن يدرس الآداب العربية والفارسية، وكان قد كرس حياته للدراسات الإسلامية.
وبدأ إقبال في كتابة الشعر في هذه المرحلة المبكرة، وشجعه على ذلك أستاذه مير حسن، فكان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية، ولكن السيد مير حسن وجهه إلى النظم بلغة الأردو، وكان إقبال يرسل قصائده إلى ميرزا داغ دهلوى ـ الشاعر البارز في الشعر الأردو ـ حتى يبدي رأيه فيها، وينصحه بشأنها وينقحها، ولم يمضِ إلا فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي أن أشعار إقبال في غنى تام عن التنقيح، وأتم إقبال دراسته الأولية في سيالكوت، ثم بدأ دراسته الجامعية باجتياز الامتحان العام الأول بجامعة البنجاب 1891م، التي تخرج فيها وحصل منها على إجازة الآداب 1897م، ثم حصل على درجة الماجستير 1899 م، وحصل على تقديرات مرموقة في امتحان اللغة العربية في جامعة البنجاب.
وتلقى إقبال دراساته الفلسفية في هذه الكلية على يد الأستاذ الكبير توماس آرنولد، وكان أستاذًا في الفلسفة الحديثة، وحجة في الآداب العربية والعلوم الإسلامية وأستاذها في جامعة لندن.
وبعد أن حصل إقبال على الماجستير عُين معيدًا للعربية في الكلية الشرقية لجامعة البنجاب، وحاضر حوالي أربع سنوات في التاريخ والتربية الوطنية والاقتصاد والسياسة، وصنف كتابًا في "علم الاقتصاد" ولم يصرف التدريس محمد إقبال عن الشعر، بل ظل صوته يدوي في محافل الأدب وجلسات الشعر، والتي يسمونها في شبه القارة "مشاعرة".
وكانت أول قصيدة له بعنوان: "إنه يتيم" وألقاها في الحفل السنوي لجماعة "حماية الإسلام" في لاهور، وقد استقبلت القصيدة استقبالاً حسنًا ومست شغف القلوب، الأمر الذي دعاه إلى أن ينشد في العام التالي وفي الحفل السنوي لنفس الجماعة قصيدته "خطاب يتيم إلى هلال العيد" ويشير الأستاذ أبو الحسن الندوي ـ وهو ممن عاصروا شاعرنا ـ إلى أسباب الإعجاب بشعر إقبال فيقول: "وهو ترجع في الغالب إلى موافقة الهوى والتعبير عن النفس: وهذا عن إعجاب الناس بشعره، أما عن أسباب إعجابه هو بشعر إقبال فيقول: "إن أعظم ما حملني على الإعجاب هو الطموح والحب والإيمان، وقد تجلى هذا المزيج الجميل في شعره، وفي رسالته أعظم ما تجلى في شعر معاصر" سافر إقبال إلى لندن في الثاني من سبتمبر 1905؛ ليكمل تعليمه وليستزيد من العلم فاتجه إلى كمبريدج والتحق بجامعتها؛ حيث درس الفلسفة على يد أستاذ الفلسفة مك تكرت، وحصل على درجة في فلسفة الأخلاق وتأثر بأستاذه مك تأثرًا واضحًا.
رحلاته إلى العالم الغربي والعربي
غادر إقبال لندن إلى القارة الأوروبية وزار عددًا من بلدانها، وكان في كل أسفاره يعمل على نشر الإسلام، وأثر بشعره وأسلوبه في كثير من الأوروبيين ومنهم موسوليني؛ حيث وجه له دعوة عقب مشاركته في مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن عامي (1930 ـ 1931).
وكان منظم الزيارة الدكتور سكاربا؛ حيث كان معجبًا بفكر إقبال وإيمانه بالإنسان وقدراته، وذهب بالفعل إلي إيطاليا والتقى بموسوليني وألقى محاضرة، في روما يبين فيها الفرق بين مذهب كل من الحضارة الغربية والشيوعية والحضارة الإسلامية، ووضح فيها أسباب تخلف المسلمين، وأن من أهم أسباب هذا التخلف هو البعد عن الدين، وذكر الناس بماضي المسلمين وحضارتهم العريقة، ثم زار إقبال أسبانيا في عام 1932م بعد أن حضر مؤتمر الدائرة المستديرة الثالث، وحرص على مشاهدة المعالم الإسلامية هناك فيقف أما جامع قرطبة وقفة مؤمن شاعر ومما قاله في قرطبة:
لحـورية الغرب وجه جميل
وجنـاتها أذنت بالرحيل
على العين والقلب كن ذا حذر
سماؤك فيها جمال القمر
- ويقصد بحورية الغرب هنا قرطبة
* ومن أقواله في مسجد قرطبة:
نسيمك عذب رقيق الهبوب
أيا جامعًا فيك جمع القلوب
أيًا جامعي خصني بالنـظر
أنا المؤمن الحق فيمن كفر
لكم حسن شوقًا لرب العباد
وإيمـانه زاد دومـًا وزاد
وهذه القصيدة يضعها بعض الباحثين بين روائع الأدب العالمي، وألقى شاعر الإسلام في مدريد محاضرة بعنوان: "العالم الفكري للإسلام وأسبانيا".
وزار إقبال أفغانستان على إثر دعوة وجهها له نادر شاه ـ ملك أفغانستان ومر في إحدى رحلاته على مصر، وقابل بعض شبابها وأعجب بشاب مصري، ويقول: إن الشاب فرح جدًا عندما علم أن إقبال مسلم ويقرأ القرآن، وقيل: إن إقبال لبس الطربوش بسبب المحادثة التي دارت بينه وبين هذا الشاب، ويذكر الأستاذ أبو الحسن الندوي أنه زار فلسطين في سنة 1931، وكان مما قاله وهو في فلسطين:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى
أنيقًا وبستانًا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه
مني فتمنينا فكنت الأمانيا
ونجده هنا يتمنى أن يحط الرحال ويظل في بلد القدس وأرض مهبط الرسالات، ومن أقواله في افتتاح المؤتمر الإسلامي عام 1930 " على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
وفي ألمانيا نال الدكتوراه على بحث له بعنوان: "تطور الغيبيات في فارس".
وعقب عودته من ألمانيا التحق بمدرسة لندن للعلوم السياسية، وحصل منها على إجازة الحقوق بامتياز.
size]].[/size]